منتديات غلا حبيبي
ورحمتي وسعت كل شيء Hh7.net_13015068721
منتديات غلا حبيبي
ورحمتي وسعت كل شيء Hh7.net_13015068721
منتديات غلا حبيبي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 ورحمتي وسعت كل شيء

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
ملاكووو
!!--عضو ملكي--!!
ملاكووو


مزاج : ملاك
الجنسية : السعودية
انثى
عدد المساهمات : 760

ورحمتي وسعت كل شيء Empty
مُساهمةموضوع: ورحمتي وسعت كل شيء   ورحمتي وسعت كل شيء I_icon_minitimeالأربعاء مايو 11, 2011 12:55 am


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال الله - تعالى -: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ، فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ).
الرحمن الرحيم، اسمان كريمان من أسماء المولى جل وتعالى، والرحمة صفته، صفة حقيقية تليق بجلاله - سبحانه -، وهي صفة كمال لائقة بذاته كسائر صفاته العُلى، قال الله - تعالى - في محكم تنـزيله في شأن ذكر هذه الصفة، أو ذكر شيء من آثارها على خلقه: (إنه هو التواب الرحيم)، وقال - تعالى -: (إن الله بالناس لرؤوف رحيم)، وقال جل وتعالى: (يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله غفور رحيم)، وقال - عز وجل -: (فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم)، وقال - تعالى -: (واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود)، إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة في كتاب الله وفي سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الدالة على صفة الرحمة.
الله - جل وعلا - رحيم بنا، وهو - سبحانه - أرحم بنا من أنفسنا على أنفسنا،رحمة الله - تعالى - وسعت وشملت كل شيء، العالم العلوي والعالم السفلي، فما من أحد إلا وهو يتقلب في رحمة الله - تعالى -، المسلم والكافر، البرّ والفاجر، الظالم والمظلوم، الجميع يتقلبون في رحمة الله آناء الله وأطراف النهار، قال الله - تعالى -: (ورحمتي وسعت كل شيء).
الله جل وتعالى فتح أبواب رحمته للتائبين والعاصين والمنحرفين، ما عليهم إلا أن يقبلوا على مولاهم، قال الله - تعالى -: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله، إن الله يغفر الذنوب جميعا، إنه هو الغفور الرحيم)، وقال - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: ((لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنة أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة، ما قنط من جنته أحد)).
إن الله جل وتعالى أرحم بعباده من الأم بولدها، أخرج البخاري ومسلم عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال: قُدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبي، فإذا امرأة من السبي تسعى، إذا وجدت صبياً في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟)) قلنا: لا والله وهي تقدر على أن لا تطرحه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الله أرحم بعباده من هذه بولدها)).
إن رحمة الله تغلب وتسبق غضبه. روى البخاري في صحيحه حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لما خلق الله الخلق، كتب في كتابه، إن رحمتي تغلب غضبي))، وفي رواية: ((إن رحمتي سبقت غضبي)).
الله جل ثناؤه له مئة رحمة، كما في حديث أبي هريرة عن البخاري قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مئة رحمة)). وفي رواية: ((كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض، فأمسك عنده تسعاً وتسعين رحمة وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة))، وفي رواية: ((إن لله مئة رحمة، أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فيها يتعاطفون وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحش على ولدها". وفي رواية: "حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه، وأخر الله تسعاً وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة)).
إن العبد كلما كان أقرب إلى الله - تعالى -، كانت رحمة الله به أولى، أي كلما كان العبد طائعاً لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -، عاملاً بما أمره الله ورسوله، منتهياً عما نهاه الله ورسوله عنه، كان استحقاقه للرحمة أعظم، قال الله - تعالى -: (وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون)، وقال - عز وجل -: (وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون)، وقال - سبحانه -: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون)، وقال - تعالى -: (إن رحمت الله قريب من المحسنين).
الله جل وعز سمى بعض نعمه التي أنعمها علينا بالرحمة، فسمى المطر رحمة، في قوله - تعالى -: (وهو الذي يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته)، وسمى رزقه بالرحمة، في قوله: (وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها، فقل لهم قولاً ميسورا)، وسمى كتابه العزيز بالرحمة في غير ما آية، كقوله - تعالى -: (ونزّلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين)، وسمى الجنة بالرحمة وهي أعظم رحمة خلقها الله لعباده الصالحين، قال الله - تعالى -: (وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون)، وقال - تعالى -: (يُدخل من يشاء في رحمته، والظالمين أعدّ لهم عذاباً أليما).
يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى - في كلام نفيس بديع جميل، وهو يتكلم عن آثار رحمة الله فيقول: " فانظر إلى ما في الوجود من آثار رحمته الخاصة والعامة، فبرحمته أرسل إلينا رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وأنزل علينا كتابه، وعلمنا من الجهالة، وهدانا من الضلالة، وبصرنا من العمى، وأرشدنا من الغي، وبرحمته عرّفنا من أسمائه وصفته وأفعاله ما عرَفنا به أنه ربنا ومولانا، وبرحمته علّمنا ما لم نكن نعلم، وأرشدنا لمصالح ديننا ودنيانا، وبرحمته أطلع الشمس والقمر، وجعل الليل والنهار، وبسط الأرض وجعلها مهاداً وفراشاً وقراراً وكِفاتاً للأحياء والأموات، وبرحمته أنشأ السحاب وأمطر المطر، وأطلع الفواكه والأقوات والمرعى، ومن رحمته سخر لنا الخيل والإبل والأنعام وذللها منقادة للركوب والحمل والأكل والدَّر، وبرحمته وضع الرحمة بين عباده ليتراحموا بها، وكذلك بين سائر أنواع الحيوان، فهذا التراحم الذي بينهم بعض آثار الرحمة، التي هي صفته ونعمته، واشتق لنفسه منها اسم الرحمن الرحيم، وأوصل إلى خلقه معاني خطابه برحمته، وبصّرهم ومكّن لهم أسباب مصالحهم برحمته، وأوسع المخلوقات عرشُه، وأوسع الصفات رحمته، فاستوى على عرشه الذي وسع المخلوقات، بصفة رحمته التي وسعت كل شيء، ولما استوى على عرشه بهذا الاسم الذي اشتقه من صفته، كتب بمقتضاه على نفسه يوم استوائه على عرشه حين قضى الخلق كتاباً فهو عنده وضعه على عرشه، ((إن رحمته سبقت غضبه))، وكان هذا الكتاب العظيم الشأن كالعهد منه - سبحانه - للخليقة كلها بالرحمة لهم، والعفو عنهم، والصفح عنهم، والمغفرة والتجاوز والستر والإمهال والحلم والأناة، فكان قيام العالم العلوي والسفلي بمضمون هذا الكتاب، الذي لولاه لكان للخلق شأن آخر، وكان عن صفة الرحمة الجنة وسكانها وأعمالهم، فبرحمته خلقت، وبرحمته عُمرت بأهلها، وبرحمته وصلوا إليها، وبرحمته طاب عيشهم فيها، وبرحمته احتجب عن خلقه بالنور، ولو كشف ذلك الحجاب لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه، ومن رحمته أنه يعيذ من سخطه برضاه، ومن عقوبته بعفوه، ومن نفسه بنفسه، ومن رحمته أن خلق للذكر من الحيوان أنثى من جنسه، وألقى بينهما المحبة والرحمة؛ ليقع بينهما التواصل الذي به دوام التناسل وانتفاع الزوجين، وتمتع كل واحد منهما بصاحبه، ومن رحمته أحوج الخلق بعضهم لبعض، ولو أغنى بعضهم عن بعض، لتعطلت مصالحهم، وانحل نظامهم، وكان من تمام رحمته بهم أن جعل فيهم الغني والفقير، والعزيز والذليل، والعاجز والقادر، والراعي والمرعي، ثم أفقر الجميع إليه، ثم عم الجميع برحمته، ومن رحمته أنه خلق مئة رحمة، كل رحمة فيها طباق ما بين السماء والأرض، فأنزل منها إلى الأرض رحمة واحدة، نشرها بين الخليقة ليتراحموا بها، فيها تعطف الوالدة على ولدها، والطير والوحش والبهائم، وبهذه الرحمة قوام العالم ونظامه، وتأمل قوله - تعالى -: (الرحمن، علم القرآن، خلق الإنسان، علمه البيان)، كيف جعل الخلق والتعليم ناشئاً عن صفة الرحمة، متعلقاً باسم الرحمن" إلى آخر كلامه - رحمه الله -، الذي كله درر وفوائد.
قال الله - تعالى -: (ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها، وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم).
إن رحمة الله لا يحصيها العد، ويعجز الإنسان عن مجرد ملاحقتها وتسجيلها في ذات نفسه، وفيما سخر له من حوله ومن فوقه ومن تحته.
إن رحمة الله لو فتحها - سبحانه - لأحد من خلقه، فسيجدها في كل شيء، وفي كل موضع، وفي كل حال، وفي كل مكان، وفي كل زمان، فإنه لا ممسك لها (ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها)، يجدها في نفسه وفي مشاعره، ويجدها فيما حوله، وحيثما كان وكيفما كان.
وما من نعمة من نعم الله يُمسك الله معها رحمته، حتى تنقلب هي بذاتها نقمة، وما من محنة تحفها رحمة الله، حتى تكون هي بذاتها نعمة، ينام الإنسان على الشوك مع رحمة الله فإذا هو مهاد، وينام على الحرير وقد أُمسكت عنه رحمة الله فإذا هو شوك القتاد، (ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها، وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم).
إن الإنسان يواجه أصعب الأمور برحمة الله فإذا هي هوادة ويسر، ويواجه أيسر الأمور وقد تخلت رحمة الله فإذا هي مشقة وعسر، ويخوض المخاوف والأخطار برحمة الله، فإذا هي أمن وسلام، ويعبرها بدون رحمة الله، فإذا هي مهلكة وبوار، إنه لا ضيق مع رحمة الله، إنما الضيق في إمساكها دون سواه، لا ضيق مع رحمة الله ولو كان صاحبها في غياهب السجون أو في جحيم العذاب أو في شعاب الهلاك، ولا سعة مع إمساك رحمة الله، ولو تقلب الإنسان في أعطاف النعيم وفي مراتع الرخاء. إن هذا الباب لو فتح لك يا عبد الله، وهو باب الرحمة، فلا عليك، ولو أغلقت أمامك جميع الأبواب، وأقفلت جميع النوافذ، وسدت جميع المسالك، إنه هو الفرج والفسحة واليسر والرخاء، ولو أغلق عنك هذا الباب يا عبد الله، باب الرحمة، ولو فتح لك جميع الأبواب والنوافذ والمسالك، فما هو بنافع، وهو الضيق والكرب والشدة والقلق والعناء، هذا الفيض من رحمة الله يُفتح عليك، ثم يضيق الرزق ويضيق السكن ويضيق العيش وتخشن الحياة فلا عليك، فهو الرخاء والراحة والطمأنينة والسعادة، وهذا الفيض يُمسك عنك، ثم يفيض الرزق ويقبل كل شيء فلا جدوى وإنما هو الضنك والحرج والشقاوة والبلاء.
إن المال والولد والصحة والقوة والجاه والسلطان لتصبح مصادر قلب وتعب ونكد إذا أُمسكت عنها رحمة الله، فإذا فَتح الله أبواب رحمته كان فيها السكن والراحة والسعادة والاطمئنان.
يبسط الله الرزق مع رحمته فإذا هو متاع طيب ورخاء، وإذا هو رغد في الدنيا وزاد في الآخرة، ويمسك رحمته عن هذا الرزق فإذا هو مثار قلق وخوف، وإذا هو مثار حسد وبغض، وقد يكون معه الحرمان ببخل أو مرض، وقد يكون معه التلف بإفراط أو استهتار.
ويمنح الله الولد ويكون معه الرحمة، فإذا هي زينة الحياة الدنيا، ومصدر فرح واستمتاع، ومضاعفة للأجر في الآخرة، بالخَلف الصالح الذي يذكر الله، ويمسك رحمته فإذا الذرية بلاء ونكد وعنب وشقاء، وسهر بالليل وتعب بالنهار، (ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها، وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم).
ويهب الله الصحة والقوة، مع رحمته، فإذا هي نعمة وحياة طيبة والتذاذ بالحياة، وتسخير لهذا الجسم في طاعة الله، ويمسك رحمته فإذا الصحة والقوة بلاء، يسلطه الله على الصحيح القوي، فينفق الصحة والقوة فيما يحطم الجسم ويفسد الروح ويدخر السوء ليوم الحساب.
ويعطي الله السلطان والجاه والملك مع رحمته، فإذا هي أداة إصلاح ومصدر أمن، ووسيلة لادخار الطيب الصالح من العمل والأثر، ويمسك جل وتعالى رحمته عن هذا السلطان والمُلك، فإذا به مصدر قلق على فواتها، ومصدر طغيان وبغي عند بقائها، ومثار حقد على صاحبها، لا يقر لها معها قرار، ولا يستمتع بجاه ولا سلطان، ويدخر بسببه للآخرة رصيداً ضخماً من النار والعياذ بالله.
والعلم الغزير والعمر الطويل والمقام الطيب، كلها تتغير وتتبدل من حال إلى حال، مع إمساك رحمة الله ومع إرسالها.
إن القليل من العلم يثمر وينفع، وقليل من العمر يبارك الله فيه، وزهيد من المتاع يجعل الله فيه السعادة، وفي المقابل، بسطة في العلم وطول في العمر، مع نزع البركة والرحمة، شقاء على الإنسان ونكد في الدنيا قبل الآخرة.
إن من رحمة الله أن تحس برحمة الله أنها تضمك وتغمرك وتفيض عليك، إن شعورك بوجودها هو الرحمة، ورجاؤك فيها وتطلعك إليها هو الرحمة، وثقتك بها وتوقعها في كل أمر هو الرحمة، والعذاب هو العذاب في احتجابك عنها، أو يأسك منها، أو شكك فيها، وهو عذاب لا يصبه الله على مؤمن أبداً، إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون.
إن رحمة الله لا تعز على طالب في أي مكان وفي أي حال، وجدها إبراهيم - عليه السلام - في النار. ووجدها يوسف - عليه السلام - في الجب كما وجدها في السجن، ووجدها يونس - عليه السلام - في بطن الحوت في ظلمات ثلاث، ووجدها موسى - عليه السلام - في اليم وهو طفل رضيع مجرد من كل قوة ومن كل حراسة، ووجدها أصحاب الكهف في الكهف حين افتقدوها في القصور والدور، فقال بعضهم لبعض: (فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته)، وهنا ينكشف العجب في شأن القلوب المؤمنة، فهؤلاء الفتية الذين يعتزلون قومهم، ويهجرون ديارهم، ويفارقون أهلهم، ويتجردون من زينة الأرض ومتاع الحياة، هؤلاء الذين يأوون إلى الكهف الضيق الخشن المظلم، هؤلاء يستروحون رحمة الله، ويحسون هذه الرحمة ظليلة فسيحة ممتدة، (ينشر لكم ربكم من رحمته)، ولفظة (ينشر) تلقي ظلال السعة والبحبوحة والانفساح، فإذا الكهف فضاء فسيح رحيب وسيع تنتشر فيه الرحمة وتتسع خيوطها وتمتد ظلالها، وتشملهم بالرفق واللين والرخاء. إن الحدود الضيقة لتنـزاح، وإن الجدران الصلدة لترق، وإن الوحشة الموغلة لتشف، فإذا هي رحمة، وما قيمة الظواهر؟ وما قيمة القيم والأوضاع والمدلولات التي تعارف عليها الناس في حياتهم الأرضية؟ إن هنالك عالما آخر في جنبات القلب المغمور بالإيمان، المأنوس بالرحمن، عالما تظلله الرحمة.
ووجد هذه الرحمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه في الغار والقوم يتعقبونهم (لا تحزن إن الله معنا)، ووجدها أحمد بن حنبل وهو يجلد وهو يضرب، كان - رحمه الله - يضرب ضرباً عجيباً حتى قال بعض جلاديه، لقد ضرب ضرباً لو ضرب بمثلها جمل لهلك، لكنه رحمة الله كان يتلقى الضرب مع رحمة الله، فبقى بإيمانه قوياً كالجبل الأشم يدافع عن منهج أهل السنة والجماعة، ووجدها شيخ الإسلام عندما أدخل السجن، فالتفت إلى السجناء وتمثل قول الله - تعالى -: (فضرب بينهم بسور له باب، باطنه فيه الرحمة، وظاهره من قبله العذاب)، وسيجدها كل من أخلص لله، وآوى إليه يأساً من كل من سواه، منقطعاً عن كل شبهة في قوة، وعن كل مظنة في رحمة، قاصداً باب الله دون الأبواب كلها،
ثم إنه متى فتح الله أبواب رحمته فلا ممسك لها، ومتى أمسكها فلا مرسل لها، ومن ثم فلا خوف من أحد، ولا رجاء في أحد، ولا مخافة من شيء، ولا رجاء في شيء، إنما هي مشيئة الله، ما يفتح الله فلا ممسك، وما يمسك فلا مرسل، والأمر مباشرة إلى الله.
إنه ما بين الناس ورحمة الله إلا أن يطلبوها مباشرة منه بلا واسطة، وبلا وسيلة إلا التوجه إليه في طاعة وفي إخلاص، فلا رجاء في أحد من خلقه، ولا خوف لأحد من خلقه، فما أحد بمرسلٍ من رحمة الله ما أمسكه الله، (ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها، وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم) هذه الحقيقة لو استقرت في قلب المسلم استقراراً صحيحاً لصمد كالطود أمام الأحداث وأمام الأشخاص وأمام القوى والقيم والاعتبارات، ولو تضافر عليه الإنس والجن.
إنهم لا يفتحون رحمة الله حين يمسكها، ولا يمسكونها حين يرسلها، إنهم وإن منعوك من شيء، وإن حاولوا أن يحولوا بينك وبين الناس، وإن تعرضوا لمصدر رزقك، فما دامت رحمة الله تحفك، فهم الذين يكونون في شقاء وغمّ وسفول، وأنت يا عبد الله، يكفيك رحمة الله، فأنعم بها وأكرم من عطاء، وهم يكفيهم في الدنيا بُعْد رحمة الله، وفي الآخرة أشد وأبقى.
فهو - سبحانه - المالك، لا ينازعه منازع، (كتب على نفسه الرحمة)، كتبها بإرادته ومشيئته، لا يوجبها عليه موجب، ولا يقترحها عليه مقترح، ولا يقتضيها منه مقتضٍ إلا إرادته ومشيته، إنها الرحمة، قاعدة قضائه في خلقه، وقاعدة معاملته لهم في الدنيا والآخرة، والاعتقاد إذن بهذه القاعدة يدخل في مقومات التصور الإسلامي، فرحمة الله بعباده هي الأصل، حتى في ابتلائه لهم أحيانا بالضراء، فهو يبتليهم ليعد طائفة منهم بهذا الابتلاء لحمل أمانته، بعد الخلوص والتجرد والمعرفة والوعي والاستعداد والتهيؤ عن طريق هذا الابتلاء، وليميز الخبيث من الطيب في الصف، وليعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه، وليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة، والرحمة في هذا كله ظاهرة.
إن تلمس مواضع رحمة الله ومظاهرها يستغرق الأعمار والأجيال، فما من لحظة إلا وتغمر العباد فيها الرحمة، ولن نحاول نحن أن نتقصى مواضع الرحمة الإلهية أو مظاهرها (كتب ربكم على نفسه الرحمة).
إن الذي يستوقف النظر تفضل الخالق المالك ذي السلطان القاهر فوق عباده، تفضله - سبحانه - بأن يجعل رحمته بعباده في هذه الصورة، مكتوبة عليه، كتبها هو على نفسه، وجعلها عهداً منه لعباده، بمحض إرادته ومطلق مشيئته، وهي حقيقة هائلة لا يثبت الكيان البشري لتأملها وتذوق وقعها حين يقف لتدبرها في هذه الصورة العجيبة، كذلك يستوقف النظر مرة أخرى ذلك التفضل الآخر الذي يتجلى في إخباره لعباده بما كتبه - سبحانه - على نفسه من رحمته، فإن العناية بإبلاغهم هذه الحقيقة هي تفضل آخر، لا يقل عن ذلك التفضل الأول! فمن هم العباد حتى تبلغ العناية بهم أن يُبَلغوا ما جرت به إرادة الله في الملأ الأعلى؟ وأن يبلغوا بكلمات منه - سبحانه - يحملها إليهم رسوله، من هم؟ إلاّ أنه الفضل العميم، رحمة الله - عز وجل -.
إن رحمة الله تفيض على عباده جميعاً، وتسعهم جميعاً، وبها يقوم وجودهم، وتقوم حياتهم، إن رحمة الله تتجلى في كل لحظة من لحظات الوجود، أو لحظات الحياة للكائنات، فأما في حياة البشر خاصة فلا نملك أن نتابعها في كل مواضعها ومظاهرها، ولكننا نذكر منها لمحات في مجالها الكبير:
إن رحمة الله تتجلى ابتداء في وجود البشر ذاته، في نشأتهم من حيث لا يعلمون، وفي إعطائهم هذا الوجود الإنساني الكريم بكل ما فيه من خصائص يتفضل بها الإنسان على كثير من العالمين.
وتتجلى رحمة الله في تسخير ما قدر الله أن يسخره للإنسان، من قوى الكون وطاقاته، وهذا هو الرزق في مضمونه الواسع الشامل الذي يتقلب الإنسان في بحبوحة منه في كل لحظة من لحظات حياته.
وتتجلى رحمة الله في تعليم الله للإنسان، بإعطائه ابتداء الاستعداد للمعرفة، هذا العلم الذي يتطاول به بعض المناكيد على الله، وهو الذي علمهم إياه! وهو من رزق الله ورحمته بمعناه الواسع الشامل كذلك.
وتتجلى رحمة الله في رعاية الله لهذا الخلق بعد استخلافه في الأرض، بموالاة إرسال الرسل إليه بالهدى كلما نسي وضل، وأخذه بالحلم كلما لج في الضلال ولم يسمع صوت النذير، ولم يصغ للتحذير، وهو على الله هين، ولكن رحمة الله وحدها هي التي تمهله، وحلم الله وحده هو الذي يسعه.
وتتجلى رحمة الله في تجاوز الله - سبحانه - عن سيئاته إذا عمل السوء بجهالة ثم تاب، وبكتابة الرحمة على نفسه ممثلة في المغفرة لمن أذنب ثم أناب.
وتتجلى رحمة الله في مجازاته عن السيئة بمثلها، ومجازاته على الحسنة بعشر أمثالها، والمضاعفة بعد ذلك لمن يشاء، ومحو السيئة بالحسنة، وكله من فضل الله. فلا يبلغ أحد أن يدخل الجنة بعمله إلا أن يتغمده الله برحمته، حتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما قال عن نفسه، في معرفة كاملة بعجز البشر وفضل الله.
فلننظر كيف مثل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهذه الرحمة بما يقربها للقلوب شيئا ما:
أخرج الشيخان عن أبى هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لما قضى الله الخلق))، وعند مسلم: ((لما خلق الله الخلق - كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي سبقت غضبي))، وعند البخاري في رواية أخرى: ((إن رحمتي غلبت غضبي)).
وأخرج الشيخان عنه أيضاً - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((جعل الله الرحمة مائة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين، وأنزل في الأرض جزءا واحدا، فمن ذلك الجزء تتراحم الخلائق، حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه)).
وأخرج مسلم بإسناده عن سلمان الفارسي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن لله مائة رحمة، فمنها رحمة يتراحم بها الخلق بينهم، وتسعة وتسعون ليوم القيامة))، وله في رواية أخرى: ((إن الله - تعالى - خلق يوم خلق السماوات والأرض مائة رحمة، كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض، فجعل منها في الأرض رحمة واحدة، فيها تعطف الوالدة على ولدها، والوحش والطير بعضها على بعض، فإذا كان يوم القيامة أكملها الله - تعالى -بهذه الرحمة)).
وهذا التمثيل النبوي الموحي، يقرب للإدراك البشري تصور رحمة الله - تعالى -، ذلك إذ يَنظر إلى رحمة الأمهات بأطفالها في الخلائق الحية ويعجب لها، وإلى رحمة القلوب البشرية بالطفولة والشيخوخة والضعف والمرض، وبالأقرباء والأولاد والأصحاب، وبرحمة الطير والوحش بعضها على بعض، ومنها ما يدعو إلى الدهشة والعجب، ثم يرى أن هذا كله من فيض رحمة واحدة من رحمات الله - سبحانه -. فهذا مما يقرب إلى إدراكه تصور هذه الرحمة الكبرى شيئا ما!.
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلم أصحابه ويذكرهم بهذه الرحمة الكبرى: عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: " قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم – بسبي، فإذا امرأة من السبي تسعى قد تحلب ثديها، إذ وجدت صبياً في السبي فأخذته فألزقته ببطنها فأرضعته، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟))، قلنا: لا والله وهي تقدر على ألا تطرحه. قال: ((فالله - تعالى -أرحم بعباده من هذه بولدها)) [أخرجه الشيخان]، وكيف لا. وهذه المرأة إنما ترحم ولدها من فيض رحمة واحدة من رحمات الله الواسعة.
ومن تعليم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه هذه الحقيقة القرآنية بهذا الأسلوب الموحي، كان ينتقل بهم خطوة أخرى ليتخلقوا بخلق الله هذا في رحمته، ليتراحموا فيما بينهم وليرحموا الأحياء جميعا، ولتتذوق قلوبهم مذاق الرحمة وهم يتعاملون بها، كما تذوقتها في معاملة الله لهم بها من قبل. عن ابن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الراحمون - يرحمهم الله تعالى -، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)) [أخرجه أبو داود والترمذي]. وعن جرير - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يرحم الله من لا يرحم الناس)) [أخرجه الشيخان والترمذي].
وفي رواية لأبي داود والترمذي عن أبى هريرة - رضي الله عنه -: قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تنـزع الرحمة إلا من شقي))، وعن أبى هريرة - رضي الله عنه - أيضاً قال: قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحسن بن علي - رضي الله عنهما - وعنده الأقرع بن حابس، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا! فنظر إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: ((من لا يرحم لا يرحم)) [أخرجه الشيخان].
ولم يكن - صلى الله عليه وسلم - يقف في تعليمه لأصحابه رضوان الله عليهم عند حد الرحمة بالناس، وقد علم أن رحمه ربه وسعت كل شيء، وأن المؤمنين مأمورون أن يتخلقوا بأخلاق الله، وأن الإنسان لا يبلغ تمام إنسانيته إلا حين يرحم كل حي تخلقاً بخلق الله - سبحانه -، وكان تعليمه لهم بالطريقة الموحية التي عهدناها: عن أبى هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئرا فنـزل فيها فشرب ثم خرج، وإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني، فنـزل البئر فملأ خفه ماء ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب فشكر الله - تعالى - له فغفر له))، قالوا: يا رسول الله وإن لنا في البهائم لأجرا؟ قال: ((في كل كبد رطبة أجر)) [أخرجه مالك والشيخان]. وفي رواية: ((إن امرأة بغياً رأت كلباً في يوم حار يطيف ببئر قد أدلع لسانه من العطش فنـزعت له موقها فغفر لها به))، وعن عبد الرحمن بن عبدالله عن أبيه - رضي الله عنه - قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر فرأينا حمُرّة معها فرخان لها فأخذناهما، فجاءت الحمرة ترخي جناحيها وتدنو من الأرض، فلما جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها))، ورأى قرية نمل قد أحرقناها فقال: ((من أحرق هذه؟)) قلنا: نحن. قال: ((إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار)) [أخرجه أبو داود]، وعن أبى هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((قرصت نملة نبياً من الأنبياء فأمر بقرية النمل فحرقت، فأوحي الله - تعالى - إليه: أن قرصتك نملة أحرقت أمة من الأمم تسبح؟ )) [أخرجه الشيخان].
وهكذا علم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه هدى القرآن، ليتذوقوا رحمة الله من خلال مزاولتهم للرحمة، أليس أنهم إنما يتراحمون برحمة واحدة من رحمات الله الكثيرة؟!.
إن استقرار هذه الحقيقة في تصور المسلم لينشىء في حسه وفي حياته وفي خلقه آثارا عميقة يصعب كذلك تقصيها، إن الشعور بهذه الحقيقة على هذا النحو ليسكب في قلب المؤمن الطمأنينة إلى ربه، حتى وهو يمر بفترات الابتلاء بالضراء التي تزيغ فيها القلوب والأبصار، فهو يستيقن أن الرحمة وراء كل لمحة، وكل حالة، وكل وضع، وأن ربه لا يعرضه للابتلاء لأنه تخلى عنه أو طرده من رحمته، فإن الله لا يطرد من رحمته أحداً يرجوها، إنما يطرد الناس أنفسهم من هذه الرحمة حين يكفرون بالله ويرفضون رحمته ويبعدون عنها!، وهذه الطمأنينة إلى رحمة الله تملأ القلب بالثبات والصبر، وبالرجاء والأمل، وبالهدوء والراحة، فهو في كنف ودود يستروح ظلاله ما دام لا يبعد عنه في الشرود!.
والشعور بهذه الحقيقة على هذا النحو يستجيش في حس المؤمن الحياء من الله، فإن الطمع في المغفرة والرحمة لا يجرّئ على المعصية، إنما يستجيش الحياء من الله الغفور الرحيم، والقلب الذي تجرّئه الرحمة على المعصية هو قلب لم يتذوق حلاوة الإيمان الحقيقية!.
كذلك فإن الشعور بهذه الحقيقة على هذا النحو يؤثر تأثيراً قوياً في خلق المؤمن، وهو يعلم أنه مأمور أن يتخلق بأخلاق الله - سبحانه -، وهو يرى نفسه مغموراً برحمة الله مع تقصيره وذنبه وخطئه، فيُعلّمه ذلك كله كيف يرحم، وكيف يعفو، وكيف يغفر، كما رأينا في تعليم الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه مستمدا تعليمه لهم من هذه الحقيقة الكبيرة.
وصدق الله: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أرسله الله لهذه الأمة فكان رحمةً عامةً من حيث إنه جاء بما يسعدهم إن اتبعوه، ومن لم يتبعه فهو الذي قصر في حق نفسه وضيع نفسه من الرحمة، قال ابن كثير - رحمه الله -: (رَحْمَة لِلْعَالَمِينَ) " أَيْ: أَرْسَلَهُ رَحْمَة لَهُمْ كُلّهمْ، فَمَنْ قَبِلَ الرَّحْمَة وَشَكَرَ هَذِهِ النِّعْمَة سَعِدَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، وَمَنْ رَدَّهَا وَجَحَدَهَا خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة كَمَا قَالَ - تعالى -: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَة اللَّه كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمهمْ دَار الْبَوَار جَهَنَّم يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَار).
ثم إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان رحمةً للكافرين أيضاً من حيث إن عذاب الاستئصال أُخّر عنهم بسببه، وقد روي عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قوله - تعالى -: (وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا رَحْمَة لِلْعَالَمِين) قَالَ: " مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر كَتَبَ لَهُ الرَّحْمَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَرَسُوله عُوفِيَ مِمَّا أَصَابَ الْأُمَم مِنْ الْخَسْف وَالْقَذْف".
يحدثنا القرآن الكريم عن علم الله ورحمته أنهما وسعا كل شيء، فقال - تعالى -: (وسع ربي كل شيء علما)، وقال: (ورحمتي وسعت كل شيء)، وقد جمعا في آية واحدة: (ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما)، فعلم الله شامل لا يغيب عنه مثقال ذرة، ومن هنا كانت رحمته شاملة، فالرحمة الشاملة لابد لها من علم شامل، فإن الرحمة لا تكون إلا بعلم، فالله - تعالى - أخبر عن علمه أنه وسع كل شيء، وعن رحمته أنها وسعت كل شيء، حتى يتعلق العباد برحمته، ثم بين لنا أنه استوى على أعظم مخلوقاته، وهو العرش، باسم الرحمن فقال: (الرحمن على العرش استوى) والعرش محيط بالمخلوقات قد وسعها، والرحمة محيطة بالخلق واسعة لهم، كما قال - تعالى -: (ورحمتي وسعت كل شيء) وفي الصحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لما قضى الله الخلق كتب في كتاب، فهو عنده موضوع على العرش: إن رحمتي تغلب غضبي))، فإذا تأملنا أن علم الله وسع كل شيء، وأنه استوى على العرش باسم الرحمن، وأنه كتب كتاباً ووضعه على العرش فيه: أن رحمته تغلب غضبه، عرفنا عظم رحمة الله ووسعها، فالخيبة كل الخيبة لمن حُرِمها، ولا يُحْرَمها إلا خاسر، وأما الفائز بها فهو السعيد، وصفته كما قال - تعالى -: (ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة وهم الذين هم بآياتنا يؤمنون)، فمن أراد رحمة الله أن تناله، فليتق الله في كل أموره: بفعل الطاعات، واجتناب المعاصي، وليؤد حق الله في ماله، وليؤمن بكل ما جاء عن الله، بلا تردد.
ثم إن رحمة الله ليست قاصرة على ما وهب وأعطى، بل تمتد إلى حرم ومنع: فما حرم شيئاً إلا رحمة بخلقه، وما منع رزقاً إلا لرحمته بعباده، حرم الربا، والزنا، والخمر، والقمار، رحمة بهم، حتى لا تفسد معيشتهم وحياتهم، ومنع بعض عباده المال والصحة رحمة بهم كيلا يكفروا، ويطغوا، ويعيثوا في الأرض فسادا.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
لحن الشوق
مؤسس المنتدى
مؤسس المنتدى
لحن الشوق


مزاج : خزل
الجنسية : السعودية
ذكر
عدد المساهمات : 1224
الموقع : www.hbeebe.mam9.com

ورحمتي وسعت كل شيء Empty
مُساهمةموضوع: رد: ورحمتي وسعت كل شيء   ورحمتي وسعت كل شيء I_icon_minitimeالأربعاء مايو 11, 2011 1:08 am

جزاك الله خير
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://hbeebe.mam9.com
ملاكووو
!!--عضو ملكي--!!
ملاكووو


مزاج : ملاك
الجنسية : السعودية
انثى
عدد المساهمات : 760

ورحمتي وسعت كل شيء Empty
مُساهمةموضوع: رد: ورحمتي وسعت كل شيء   ورحمتي وسعت كل شيء I_icon_minitimeالأربعاء مايو 11, 2011 11:10 pm

وجزاك الله الجنان العاليه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
ورحمتي وسعت كل شيء
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات غلا حبيبي :: المنتديات الإسلامية :: الشريعة الإسلامية-
انتقل الى: