نَمْلَةٌ قَدْ غادَرَتْ قرْيَتَها
قبلَ الشُّروقْ
و مَضَتْ في عجَلَهْ
إنّها تَبْحَثُ عَنْ رِزْقٍ لَها
في كُلّ فَجٍّ و مَضيقْ
لِفصولٍ مُقْبِلَهْ
أيَنَ رِزْقي؟
-قالتِ النَّمْلَةُ- في أيِّ طريقْ
يَقِفُ القوتُ لِكَيْ أسْتَقْبِلَهْ؟
و رَأَتْ حَبّة قَمْحٍ
سَقَطَتْ مِنْ سُنْبُلَهْ
هِيَ في الحَقْلِ وحيدَهْ
غَسّلَتْها الشّمْسُ في وَقْتِ الْحصَادْ
بَعْدَما الحَصّادُ ألْقى مِنْجَلَهْ
و مضى يَسْحَبُ أَحْمالَ السّنابلْ
فبدَتْ مَنْسِيّةً أوْ مُهْمَلَهْ
قالَتِ النّمْلَةُ:
رِزْقُ اليَوْمِ جاءْ
و هُوَ مَيْسورٌ أتى
ما أجمَلَهْ
حَبّةَ القَمْحِ تعالَيْ
أنْت لي زادٌ لأَيّامِ الشّتاءْ
فاصْعدي ظَهْري
لِكَي نَمْضي مَعاً كالأصْدِقاءْ
إنّ مشواري إلى قَرْيَتِنا
ما أَطْوَلَهْ
***
عادَتْ النَّمْلَةُ مِنْ جَوْلَتِها
مَعَها القَمْحَةُ مِلءَ الساعِدَيْنْ
تارَةً تَدْفَعُها دَفْعاً و أُخرى
تَلتقيها باليدينْ
قالَتِ القَمْحَةُ:
يا أُخْتَ النّمالْ
اتْرُكيني
و أريحي جِسْمَكِ الغَضَّ
مِنْ الجُهْدِ.. دَعيني
إنّني أكبرُ حَجْماً مِنْكِ
أَقْسى جَسَداً
أَصلَبُ عوداً
فالْمسَيني
قالتِ النّمْلَةُ: لا
بَلْ أَنْتِ مِنْ صَيْدٍ ثَمينْ
و سَتَمْشينَ مَعي يا قَمْحَةَ الْخَيرِ
إلى بَيْتي المْكينْ
إنّهُ في قريةِ النّمْلِ
الّتي نملؤُها اليَوْم طعاماً
عَنْ شِمالٍ و يمينْ
سَتكَونينَ طعَاماً
لَيْسَ هذا اليَومَ يا بِنْتَ السّنابِلْ
بَلْ كَما يَرْغَبُ قَوْمي
بَعْدَ حينْ
قالَتْ القَمْحَةَ: يا أُخْتَ النّمالْ
أنا وحْدي الآنَ
لا أُطْعِمُ إلاّ نَمْلَةً
إنْ تطْحنوني
و سَأمسي مائَةً مِثْلي
إذا لَمْ تأْكُليني
قَالَتِ النَّمْلَةُ يا بُشْرى
فَقولي كَيْفَ.. باللّهِ اصْدُقيني
قالَتِ القَمْحَة:
في الْحالِ اتْرُكيني
و احْفُري لي حُفرَةً في مِثْلِ حَجْمي
و اطْمُريني
و انْظُري كَيْفَ يَسيلُ الماءُ
مِنْ عَيْنِ السّحابْ
و إذا ما هَلّ وَجْهُ الصَّيْفِ
زُوريني
تَرَيْ سُنْبُلَةً
تَنْهَضُ مِنْ عُبّ التُّرابْ
و عَلَيْها مائَةٌ مِثْلي
جديداتِ الثيّابْ
فَخذُوها ما عَدا واحدَةً
تَهْمُسُ مثْلي: ازْرَعوني
لِيَطُلَّ الخَيْرُ مِنْ تَحتِ إِهابْ
***
عادَتِ النّمْلَةُ في سِرْبِ نمالْ
لترى في مَوْضِعِ الحبّةِ خَلْقاً
فاقَ أوْصافَ الخيالْ
إنّها سُنْبُلَةٌ مِنْ ذَهَبٍ
تَزْهو بآياتِ الجَمالْ
قالتِ النّمْلَةُ:
مَنْ يا أَخَواتْ
يُدْركُ السّرَّ الذّي
تَنْمو عليْهِ المُعْجزاتْ؟
كَيْفَ أضْحَتْ حَبّةُ القَمْحِ مائَهْ؟
و حُبَيْباتٌ صَغيراتٌ
تَحَوَّلْنَ مِئاتْ؟
سَمِعَتْ وَشْوَشَةً
مَصْدَرَها كانَ حَفيفُ السُّنْبُلَهْ:
صدَقتْ ما عاهَدَتُ أَمْسِ عَليْهْ
قُدْرَةُ اللّهِ الّتي
استَوْدَعَها سِرَّ الْحياةْ
د. خالد محيي الدين البرادعي
منقووووول للإفادة