وقفَ من بعيد ينظرُ إلىّ بوجهِه المشرق،و ابتسامتِه اللامعة،
تعجبتُ كثيراً لأني لم أكن أعرفه يوماً من الأيام إلا أنه كان هناك شيءٌ
يشدني ناحيته جداً .. كأنه نداءَ الأعماق، يا تُرى من هذا الشيخ المهيب ذو
النظرة الحانية وماذا يريد منى؟! ..
فقررتُ أن أكونَ شجاعاً وأتقدم لأعرف من هو - وقد كنتُ معروفاً
بأنه لا مثيـل لـي في جذب الفتيات واصطيادهن- إلا أنه في هذه المرة أمر
آخر يختلف كثيرا فقـد كنتُ أشعر نحوه بحنينٍ عجيب كأنه والـدي الذي لـم أره
منذ كنت في الروضة حيث كان يلاعبني بتلكم الألعاب المثيرة التي كانت لها
طابـع القــــــوة والرجولة، فمرت بذاكرتي صورة بندقيتي الصغيرة وأنا ألعب
بها وأرددُ أنشودةً بها كثير من العزةِ الإسلاميـة الضائعة وتشيدُ بأمجادِ
صلاح الدين .. آه.. كم مرَّ الوقتُ سريعـاً ! وكأنها بالأمــس ..كنتُ قد
نسيتها منذ سنين لكنــى تذكرتُهــا اليوم.. اليوم فقط ..
و مازالت تدور بخلدي ابتسامةُ الشيخ وعيناه المتلألئتان التي
تذكرني بطفولتي الضائعة، وجبهته العريضة التي تذكـرني بالماضي العريق،
والتاريخ القديـم وأيــام العرب كأنها خارطة كبيرة لأمتنا المفككة
. وأين أنا من أمتي اليوم أصبحت لا أعبأ بشيء فلا يتغير وجهي حينما
أسمع عن اختراقٍ غاشم لدولة عربية مسلمة كم سمعتُ عن أطفالٍ مشردين لا
يجدونَ مأوىً فلا أحركُ ساكنا.. لا أفكرُ إلا في متعتي ..
حينما رأيتُ الشيخَ واقفاً كالجبلِ الأشم قلتُ في نفسي: معذرةً يا
أبتــــي لقد ضيعتُ كلَ أحلامك التي أردتني أن أحققها لك وساعتها سُكبت من
عيناي دمعتان؛ الأولى لفراق أبى، والثانيــــة لمجافة حُلمي الكبير؛ بأن
أكونَ القائد الذي يفتح اللهُ على يديه روما
. وتحركت في نفسي مشاعر كثيرة وقلت "أولُ الغيثِ قطرٌ" بـــدأتْ
عينــــاي بدمعتين.. وغداً ستنهمر دمعاتٌ كثيرة في محراب الصلوات بين يدي
إلهي الحليمِ العظيم.. نعم أغسلُ قلبي بدمعات على خدي لتكون نهاية بعدي
وبداية قربي
.